ليلة النحر

قال تعالى: {فَإِذَا أَفَضْتُم مِّنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُواْ اللّهَ عِندَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ} البقرة 198، والمشعر الحرام هو المزدلفة وهو واد يمتد من محسر غرباً إلى المأزمين شرقاً، وسمي بذلك لأن الناس يأتون إليه في زلف أي ساعات من الليل، ويقال له أيضاً “جمع” لاجتماع الناس بهً، والمزدلفة من الحرم، والمشعر الحرام هو جبل بالمزدلفة، وسمِّي بذلك لأن العرب في الجاهلية كانت تُشعِرُ عنده هداياها، والمبيت بالمزدلفة يكون ليلة النحر بعد الإفاضة من عرفات أي ليلة العاشر من ذي الحجة، والمزدلفة كلها موقف إلا بطن محسر، وقد اختلف الفقهاء في حكم المبيت بمزدلفة على ثلاثة أقوال نجملها فيما يلى:

1- المبيت بها من أركان الحج:

 ومن أصحاب هذا القول عبد الله بن الزبير وعلقمة، والأسود والشعبي، والنخعي والحسن البصري، والأوزاعي, وبه قال أبو بكر بن خزيمة من الشافعية، وابن حزم، وإستدلوا على ذلك بحديث عروة بن مضرس رضي الله عنه حيث قال: ( أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بالموقف (يعني بجمع) قلت: جئت يا رسول الله من جبل طيء، أكللت مطيتي، وأتعبت نفسي، والله ما تركت من جبل إلا وقفت عليه، فهل لي من حج؟ فقال رسول الله  : “من أدرك معنا هذه الصلاة، وأتى عرفات قبل ذلك ليلاً أو نهاراً؛ فقد تم حجه، وقضى تفثه “) اخرجه ابوداود وصححه الألباني.

2- المبيت بها من واجبات الحج:

وبهذا قال جمهور أهل العلم منهم عطاء والزهري وقتا دة والثوري، وهو المذهب عند الحنفية، والمالكية، والحنابلة، والأصح عند الشافعية، قال ابن قدامة: والمبيت بمزدلفة واجب من تركه فعليه دم، واستدلوا على أنه ليس بركن بحديث عبدالرحمن بن يعمر الديلي رضي الله عنه حيث يقول: ( شهدت رسول الله  وهو واقف بعرفة، وأتاه ناس من أهل نجد فقالوا: يا رسول الله كيف الحج؟ فقال: ” الحج عرفة، فمن جاء قبل صلاة الفجر من ليلة جمع فقد تمَّ حجه، أيام منى ثلاثة أيام، فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه، ومن تأخر فلا إثم عليه “) اخرجه احمد والنسائى وغيرهم وصححه الألباني، ولما كان من لم يدرك عرفة إلا في الجزء الأخير من الليل فقد فاته المبيت بمزدلفة قطعاً، ومع ذلك فقد صرح صلى الله عليه وسلم بأن حجه تام.

3- المبيت بها من سنن الحج:

وبهذا قال بعض المالكية، والشافعية، وهو رواية عن أحمد، وحجتهم هي: أنه مبيت، فكان سنة كالمبيت بمنى ليلة عرفة، أي: الليلة التاسعة التي صبيحتها يوم عرفة.

 وأرجح الأقوال وأوسطها هو القول بوجوب المبيت بمزدلفة إلى ما بعد منتصف ليلة النحر، والله تعالى أعلم.

عمل ليلة النحر:

1- جمع المغرب والعشاء مع قصر العشاء:

 فإذا وصلت المزدلفة صلِّ بها المغرب والعشاء جمعاً وقصراً (المغرب لا تُقصر)، إلا أن تصل مزدلفة قبل العشاء الآخرة، فإنك تصلي المغرب في وقتها والعشاء في وقتها، وتبيت فيها، وإن خشيت ألا تصل الى مزدلفة إلا بعد نصف الليل، فإنه يجب أن تصلي ولو قبل الوصول إلى مزدلفة، ولا يجوز تأخير الصلاة إلى ما بعد نصف الليل.

2- المبيت بها:

 وبعد ذلك يحرص الحاج على أن ينام مبكرا يكون نشيطا لأداء مناسك الحج يوم النحر، ولا يستحب قيام الليل فيها ولم يصح عن رسول الله ص أنه فعل شيئاً الى طلوع الفجر.

3- صلاة الصبح:

 إذا تبين الفجر صل ركعتي الفجر ثم الصبح مع الجماعة مبكرا ثم تقف عند المشعر الحرام وتستقبل القبلة وتدعو الله , وتكبر، وتهلل وتكثر من الدعاء رافعاً يديك، ويستحب لك أن تستمر على ذلك حتى تسفر جدا، ولك أن تقف حيثما شئت من مزدلفة؛ لقوله صلى الله عليه وسلم :” وقفت ههنا وجمع كلها موقف “ أخرجه أبوداود وجمع هي مزدلفة . 

4- الدفع الى مِنى:

 فإذا أسفر الصبح دفعت من مزدلفة إلى منى قبل طلوع الشمس، والسنة أن تلتقط هذا اليوم سبع حصيات مثل حصى الخذف في حجم حبة الفول وبجوز لك جمعها من مزدلفة أو مِنى أو أي مكان آخر، وعليك أن تكثرمن التلبية في سيرك إلى منى فإذا كنت بمحاذاة وادي محسر استحب لك الإسراع قليلا إن استطعت ذلك بدون أذى لأحد كما فعل صلى الله عليه وسلم .

فوائد هامة:

– أجاز الفقهاء أن يدفع الضعفاء من النساء والشيوخ من مزدلفة إلى منى قبل طلوع الفجر أي بعد نصف الليل؛ ليرموا جمرة العقبة قبل زحمة الناس اسستناداً الى حديث أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أنها قالت: ( استأذنت سودة رضي الله عنها رسول الله  ليلة المزدلفة تدفع قبله وقبل حطمة الناس، وكانت امرأة ثبطة (يقول القاسم: والثبطة الثقيلة)، قالت: فأذن لها، فخرجت قبل دفعه، وحبسنا حتى أصبحنا فدفعنا بدفعه، ولأن أكون استأذنت رسول الله صلى الله عليه وسلم كما استأذنته سودة فأكون أدفع بإذنه أحب إلى من مفروح به ) رواه مسلم.

– يٌصر البعض على أن يلتقط الحصى من مزدلفة وهذا ليس صحيحاً، فحصى الجمار يجوز جمعه من مزدلفة أو أي مكان آخر، كما يقوم البعض الآخر بغسل الحصى ! ولا أثر صحيح لذلك، والخير كل الخير في اتباع هدي المصطفى  .

– عليك الإكثار من التلبية والتكبير أثناء سيرك الى مِنى، ودائماً سِر في سكينة ووقار ولا تزاحم إخوانك.