الإستعداد للموت

الإستعداد للموت

ينبغي على كل مسلم فطن أن يضع الموت نصب عينيه دائما، فيكون ذلك عوناً له على الطاعات وإجتناب المعاصي، والاسراع دايما بالتوبة والاستغفار وعدم تسويف ذلك، وكذلك رد الحقوق والمظالم الى اصحابها ويكفي أن يضع نصب عينيه دايماً قول الله تعالى:

” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ * وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ * وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ” [المنافقون: 9 – 11].

وقول رسول الله لابن عمر رضي الله عنهما:

” أخَذَ رَسولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بمَنْكِبِي، فَقَالَ: كُنْ في الدُّنْيَا كَأنَّكَ غَرِيبٌ أوْ عَابِرُ سَبِيلٍ. وكانَ ابنُ عُمَرَ يقولُ: إذَا أمْسَيْتَ فلا تَنْتَظِرِ الصَّبَاحَ، وإذَا أصْبَحْتَ فلا تَنْتَظِرِ المَسَاءَ، وخُذْ مِن صِحَّتِكَ لِمَرَضِكَ، ومِنْ حَيَاتِكَ لِمَوْتِكَ”.
الراوي : عبدالله بن عمر | المحدث : البخاري | المصدر : صحيح البخاري

فإذا بدأ الشعر في الشيب أو اذداد المرض وشعر المسلم بقرب الأجل كان أقرب الى الله وأحرص على لقائه من ذي قبل، وأكثر رجاءً في رحمته. فيسارع بما يلي:

1- التوبة:

والتوبة تعني الرجوع إلى الله تعالى بالتزام كل ما أمر به ظاهرًا وباطنًا، وترك كل ما نهى عنه ظاهرًا وباطنًا.
وقد اتفق العلماء على أن للتوبة ( سواء عن معصية يرتكبها، أو أمر يتركه) شروط وهي: الاخلاص، والندم، والعزم على عدم العودة الى الذنب. وإن كان الذنب متعلقاً بحق آدمي فلا بد كذلك أن يخرج منه إما باداء الحق، او بإستحلاله منه.

قال الله تعالى:

” وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ” [النور: 31]

” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ” [التحريم: 8]

2- رد المظالم:

قال صلى الله عليه وسلم:

” مَن كانَتْ عِنْدَهُ مَظْلِمَةٌ لأخِيهِ فَلْيَتَحَلَّلْهُ مِنْها، فإنَّه ليسَ ثَمَّ دِينارٌ ولا دِرْهَمٌ، مِن قَبْلِ أنْ يُؤْخَذَ لأخِيهِ مِن حَسَناتِهِ، فإنْ لَمْ يَكُنْ له حَسَناتٌ أُخِذَ مِن سَيِّئاتِ أخِيهِ فَطُرِحَتْ عليه”.
الراوي : أبو هريرة | المحدث : البخاري | المصدر : صحيح البخاري

” ( أتدرون مَن المُفلِسُ ؟ ) قالوا: المُفلِسُ فينا يا رسولَ اللهِ مَن لا درهمَ له ولا متاعَ له فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ( المُفلِسُ مِن أمَّتي مَن يأتي يومَ القيامةِ بصلاتِه وصيامِه وزكاتِه وقد شتَم هذا وأكَل مالَ هذا وسفَك دمَ هذا وضرَب هذا فيقعُدُ فيُعطى هذا مِن حسناتِه وهذا مِن حسناتِه فإنْ فنِيَتْ حسناتُه قبْلَ أنْ يُعطيَ ما عليه أُخِذ مِن خطاياهم فطُرِحت عليه ثمَّ طُرِح في النَّارِ )”.
الراوي : أبو هريرة | المحدث : ابن حبان | المصدر : صحيح ابن حبان 

3- سداد الديون:

وسداد الديون من الأمور الهامة جداً والتي يجب ابتداءً الا يستدين المسلم إلا لضرورة قصوى وبضوابط شرعية، فإن استدان فعليه العمل على الإسراع بسداد دينه، وأن يكتب في وصيته ماعليه من دين حتى إن مات قبل السداد علم أهله فأخرجوا دينه مما ترك قبل تقسيمه. والديون هي كل ما يستدينه الانسان من مال سواء من شخص، أو بنك، أو كروت ائتمان، أو شركة، وغير ذلك. وقد وردت احاديث عدة تبين خطورة الدين على الميت، منها:

” عن سعد بن الأطول رضي الله عنه: أنَّ أَخاه مات وترك ثلاثَمائةِ درهمٍ ، وترك عيالًا ، قال : فأردتُ أن أُنفِقَها علَى عيالِه ، قال : فقالَ لي النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيهِ وسلَّمَ : إن أخاك مُحبَسٌ بدَينِه فاذهَب فاقضِ عنهُ ، فذهبتُ فقضَيتُ عنه ، ثمَّ جئتُ قلتُ : يا رسولَ اللهِ ، قد قضيتُ عنه إلَّا دينارينِ ادَّعتهُما امرأةٌ ، وليسَت لها بَيِّنةٌ ، قال : أعطِها فإنَّها مُحِقَّةٌ ، وفي روايةٍ : صادقةٌ “.
الراوي : سعد بن الأطول | المحدث : الألباني | المصدر : أحكام الجنائز

” صلَّى رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ذاتَ يومٍ، فقالَ: هاهُنا أَحدٌ مِن بَني فلانٍ؟ فنادى ثلاثًا لا يُجيبُه أَحدٌ، ثُمَّ قالَ: إنَّ الرَّجلَ الَّذي ماتَ بيْنَكم قد احتُبِسَ عنِ الجنَّةِ؛ مِن أَجْلِ الدَّينِ الَّذي عليه، فإنْ شئتُم فافْدوهُ، وإنْ شئتُم فأَسْلِموه إلى عذابِ اللهِ”.
الراوي : سمرة بن جندب | المحدث : الحاكم | المصدر : المستدرك على الصحيحين

من ماتَ وعليْهِ دينارٌ أو درْهمٌ قُضِيَ من حسناتِه، ليسَ ثمَّ دينارٌ ولا درْهمٌ”.
الراوي : عبدالله بن عمر | المحدث : الألباني | المصدر : صحيح ابن ماجه

” أنَّ النبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أُتِيَ بجَنَازَةٍ لِيُصَلِّيَ عَلَيْهَا، فَقالَ: هلْ عليه مِن دَيْنٍ؟، قالوا: لَا، فَصَلَّى عليه، ثُمَّ أُتِيَ بجَنَازَةٍ أُخْرَى، فَقالَ: هلْ عليه مِن دَيْنٍ؟، قالوا: نَعَمْ، قالَ: صَلُّوا علَى صَاحِبِكُمْ، قالَ: أَبُو قَتَادَةَ عَلَيَّ دَيْنُهُ يا رَسولَ اللَّهِ، فَصَلَّى عليه”.
الراوي : سلمة بن الأكوع | المحدث : البخاري | المصدر : صحيح البخاري 

” الدينُ دينان ، فمن مات وهو ينوي قضاءَه فأنا وليُّه ، ومن مات وهو لا ينوي قضاءَه ، فذاك الذي يؤخذُ من حسناتِه ، ليس يومئذ دينارٌ ولا درهمٌ” .
الراوي : عبدالله بن عمر | المحدث : الألباني | المصدر : أحكام الجنائز

4- كتابة الوصية:

أجمع العلماء على أن الوصية الشرعية واجب على كل مسلم، يستوى فى ذلك من عنده مال ومن ليس عنده. وقد استدلوا على ذلك بالحديث الذي رواه عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :

” ما حَقُّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ، له شيءٌ يُوصِي فِيهِ، يَبِيتُ ثَلَاثَ لَيَالٍ، إِلَّا وَوَصِيَّتُهُ عِنْدَهُ مَكْتُوبَةٌ. قالَ عبدُ اللهِ بنُ عُمَرَ: ما مَرَّتْ عَلَيَّ لَيْلَةٌ مُنْذُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ قالَ ذلكَ إِلَّا وَعِندِي وَصِيَّتِي”.
الراوي : عبدالله بن عمر | المحدث : مسلم | المصدر : صحيح مسلم

وتزداد أهمية وحتمية كتابة الوصية فى الازمنة التى تزداد فيها البدع ويكثر فيها الجهل كمثل زماننا هذا؛ حتى تبرأ ذمتك امام الله تعالى، فعلى كل مسلم أن يوصى أهله ومن يخلفه بأن يجهز ويدفن وفقا لشرع الله تعالى عملاً بقول الله تعالى :

” يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا ، وقودها الناس والحجارة ، عليها ملائكة غلاظ شداد ،لا يعصون الله ما أمرهم ، ويفعلون ما يؤمرون”.( سورة التحريم :6)

ومن كان عنده شئ يُوصي فيه عليه أن يُوصي ورثته بتقسيم ماله على الورثة حسب شرع الله تعالى، وذلك بعد سداد دينه، ونفقات تكفينه ودفنه، ولقد كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يوصون بذلك ، والاثار عنهم فى ذلك كثيرة. وعلى المسلم أن يُشهِد على وصيتة رجلين عدلين مسلمين.