التعزية المشروعة

أولا: حُكم التعزية

وقد أجمع الفقهاء – رحمهم الله – على استحباب تعزية المصاب، والإستحباب هنا دائر بين تأكيد الاستحباب فيكون سنة مؤكدة، وبين إستحباب الجوب فقد يكون واجباً إذا ترتب عليه صلة رحم او دفع القطيعة .

ويكره تكرار التعزية لما يستجلبه من تجديد الحزن.

وقد كان من هديه صلى الله عليه وسلم تعزية أهل الميت، وقد وردت أحاديث عدة في هذا، نكتفي هنا بذكر هذا الحديث:

” ما مِن مؤمنٍ يُعزِّيَ أخاه بمصيبةٍ إلا كساه اللهُ من حُلَلِ الجنةِ”.
الراوي : عمرو بن حزم | المحدث : الألباني | المصدر : إرواء الغليل

ثانياً: تعزية أهل الميت:

المقصود من التعزية هو تخفيف المُصاب على أهل الميت وحثهم على الصبر والاحتساب ولا تقتصر على الفاظ مخصوصة، ولكن أي جُمل مناسبة لا تُخالف السنة. وللتعزية صور كثيرة لا تقتصر على القول وفقط ومنها:

1- التعزية بالقول:

وهذا بعض مما ورد في السنة وأقوال الصحابة:

“إن لله ما أخذ وله ما أعطى . وكل شيء عنده بأجل مُسمى …فلتصبر ولتحتسب”.

” أعظم الله أجرك ،وأحسن عزاءك وغفر لميتك” .

” رحِمَهُ الله رحمةً واسعة وجزاه عنا وعنكم خيرًا”.

وإن كان الميت طفلاً لم يبلغ الحُلُم:

” اللهم اجعله فرطاً وذخراً لوالديه، وفرطًا وشفيعًا لهما، اللهم أعظم به أُجورهما، وثقل به موازينهما “.

ما يرد به أهل الميت:

” الحمد لله على كل حال”.

” شكر الله سعيكم وجزاكم الله خيراً”.

” أعاننا الله على التحمل والصبر “.

2- تقديم العون والمساعدة:

وكذلك فإن تقديم العون والمساعدة لأهل الميت حسب الحاجة والاستطاعة، يعد من صور التعزية، ومن صور ذلك:

صنع طعام لأهل الميت:

من السنة أن يصنع أقرباء الميت وجيرانه لاهل الميت طعاما يشبعهم، كما جاء في حديث عبد الله بن جعفر رضي الله عنه قال:

” لمَّا جاء نَعْيُ جَعفَرٍ قال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: اصنَعوا لآلِ جَعفَرٍ طَعامًا؛ فإنَّه قد أتاهم ما يَشغَلُهم -أو أمْرٌ يَشغَلُهم”.
الراوي : عبدالله بن جعفر | المحدث : شعيب الأرناؤوط | المصدر : تخريج سنن الدارقطني

الأُنس معهم وحثهم على الصبر:

كذلك يُسن تسليتهم بالانس معهم وحثهم على الصبر و الاحتساب، و تخفيف مصابهم عليهم بالكلام الطيب و القصص المناسب من أحوال الأنبياء و الصالحين من سلف المؤمنين لما فقدوا أحبتهم و ايضاً تذكيرهم بمصاب الامة بمن هو أعلى قدراً و أعظم أثر : نبينا محمد صلى الله عليه وسلم حيث تهون كل مصيبة عند ذكر المصيبة بفقده – بأبي هو وأمي –.

3- الرفق باليتيم والإحسان اليه:

يستحب كذلك مسح رأس اليتيم وإكرامه، وكفالته:

” لو رأيتَني وقُثَمَ وعُبَيْدَ اللَّهِ ابنَي عبَّاسٍ ونَحنُ صبيانُ نَلعبُ , إذ مرَّ النَّبيُّ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ علَى دابَّةٍ فقالَ : ارفعوا هذا إلَيَّ , قال : فحَملَني أمامَهُ وقالَ لقُثَمَ : ارفَعوا هذا إليَّ , فحملَهُ وراءَهُ , وَكانَ عُبَيْدُ اللَّهِ أحبُّ إلى عبَّاسٍ مِن قُثَمَ , فلمَّا استحَى من عمِّهِ أن حَملَ قُثَمًا وترَكَهُ , قالَ : ثمَّ مسحَ علَى رأسي ثلاثًا , وقالَ : كلَّما مسحَ اللَّهمَّ اخلُفْ جعفرًا في ولدِهِ , قالَ : قلتُ لعبدِ اللَّهِ ما فعلَ قُثَمُ قالَ : استُشْهِدَ , قالَ : قُلتُ اللَّهُ أعلَمُ ورسولُهُ بالخيرِ , قالَ أجَل”.
الراوي : عبدالله بن جعفر بن أبي طالب | المحدث : الألباني | المصدر : أحكام الجنائز

” وَأنا وكافِلُ اليَتِيمِ في الجَنَّةِ هَكَذا وأَشارَ بالسَّبَّابَةِ والوُسْطَى، وفَرَّجَ بيْنَهُما شيئًا”.
الراوي : سهل بن سعد الساعدي | المحدث : البخاري | المصدر : صحيح البخاري

ثالثاً: تعزية النفس

على المسلم إذا فقد عزيز عليه أن يتذكر حبه لرسول الله ، ويستشعر في نفسه أنه أحب الناس اليه ويتعزى في مصيبته بفقده له، كما قال صلى الله عليه وسلم : ” إذا أصاب أحدكم مصيبة ، فليذكر مصيبته بي ، فإنها من أعظم المصائب ” صححه الألباني في صحيح الجامع من حديث عبد الله بن عباس رضي الله عنهما.

وعليه أن يكثر من الاسترجاع وهو قول الله تعالى: { إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ} [البقرة : 156]، ويتذكراً قول الله تعالى : { وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155) الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (156) أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ (157)} [البقرة : 155 – 157].

وعليه أن يرضى بقضاء الله وقدره، ويصبر على ما أصابه مُحتسباً ذلك عند الله تعالى، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :

” يقولُ اللَّهُ تَعالَى: ما لِعَبْدِي المُؤْمِنِ عِندِي جَزاءٌ، إذا قَبَضْتُ صَفِيَّهُ مِن أهْلِ الدُّنْيا ثُمَّ احْتَسَبَهُ، إلَّا الجَنَّةُ”.
الراوي : أبو هريرة | المحدث : البخاري | المصدر : صحيح البخاري .

ويكثر من الدعاء الذي أوصى به رسول الله صلى الله عليه وسلم أم سلمة حين مات زوجها، “اللَّهُمَّ أْجُرْنِي في مُصِيبَتِي، وَأَخْلِفْ لي خَيْرًا منها”:

” سَمِعْتُ رَسولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ يقولُ: ما مِن عَبْدٍ تُصِيبُهُ مُصِيبَةٌ، فيَقولُ: {إنَّا لِلَّهِ وإنَّا إلَيْهِ رَاجِعُونَ} [البقرة:156]، اللَّهُمَّ أْجُرْنِي في مُصِيبَتِي، وَأَخْلِفْ لي خَيْرًا منها، إلَّا أَجَرَهُ اللَّهُ في مُصِيبَتِهِ، وَأَخْلَفَ له خَيْرًا منها. قالَتْ: فَلَمَّا تُوُفِّيَ أَبُو سَلَمَةَ، قُلتُ: كما أَمَرَنِي رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ، فأخْلَفَ اللَّهُ لي خَيْرًا منه، رَسولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ”.
الراوي : أم سلمة أم المؤمنين | المحدث : مسلم | المصدر : صحيح مسلم

رابعاً: أمور بدعية يجب الحذر منها

النياحة،والندب، وشق الجيوب:

يحرم الندب والنياحة على الميت ، والندب هو تعداد محاسن الميت والنياحة هي أن يبكي ويندب برنة تشبه نياحة الحَمَام ، لأن هذا دليل اعتراضه على القَدَر. ولكن لابأس من البكاء بلا تكلف.

يحرم كذلك : شق الثوب ولطم الخد ونتف الشعر ونحوه، لقوله صلى الله عليه وسلم :

” ليسَ مِنَّا مَن ضَرَبَ الخُدُودَ، وشَقَّ الجُيُوبَ، ودَعا بدَعْوَى الجاهِلِيَّةِ”.
الراوي : عبدالله بن مسعود | المحدث : البخاري | المصدر : صحيح البخاري

حداد المرأة:

يجوز للمصاب بالميت أن يحد على الميت : أي يترك تجارته أو الخروج للنزهة أو نحو ذلك حزناً على الميت ، ويكون ذلك لثلاثة أيام فقط . وكذلك المرأة لا تحد على ميت أكثر من ثلاثة أيام إلا الزوجة تحد على زوجها أربعة أشهر و عشرة أيام إن لم تكن حاملاً ، أما الحامل فتحد على زوجها إلى أن تلد، قال رسول الله :

” لا يَحِلُّ لاِمْرَأَةٍ تُؤْمِنُ باللَّهِ والْيَومِ الآخِرِ -أوْ تُؤْمِنُ باللَّهِ ورَسولِهِ- أنْ تُحِدَّ علَى مَيِّتٍ فَوْقَ ثَلاثَةِ أيَّامٍ، إلَّا علَى زَوْجِها. [وفي روايةٍ عن حَفْصةَ رَضِي اللهُ عنها]: فإنَّها تُحِدُّ عليه أرْبَعَةَ أشْهُرٍ وعَشْرًا”.
الراوي : عائشة أو حفصه أو كلتاهما | المحدث : مسلم | المصدر : صحيح مسلم

الإجتماع للعزاء:

يجب الحذر من امر شاع بين الناس وهو الاجتماع للتعزية في مكان خاص كالدار أو المقبرة أو المسجد، واتخاذ أهل الميت الطعام لضيافة الواردين للعزاء، وذلك لحديث جرير بن عبد الله البجلى رضي الله عنه قال :

” كنا نُعِدّ الاجتماعَ إلى أهلِ الميتِ وصنيعةَ الطعامِ بعد دفنهِ من النياحةِ”.
الراوي : جرير بن عبدالله | المحدث :أحمد وابن ماجه وصححه الألباني على شرطي البخاري ومسلم.