ما ينتفع به الميت بعد موته

أولاً: ما خلفه من بعده من آثار صالحة:

ويشمل ذلك ما قام به الميت حال حياته من أعمال صالحة يبقى أثرها بعد وفاته، ومما جاء في كتاب الله عز وجل والأحاديث الصحيحة:

قال الله تعالى :

{ إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ} [يس : 12].

وقال صلى الله عليه وسلم:

” إِذَا مَاتَ الإنْسَانُ انْقَطَعَ عنْه عَمَلُهُ إِلَّا مِن ثَلَاثَةٍ: إِلَّا مِن صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو له”.
الراوي : أبو هريرة | المحدث : مسلم | المصدر : صحيح مسلم

” خيرُ ما يخلِّفُ الرَّجُلُ من بعدِه ثلاثٌ ولدٌ صالِحٌ يدعو لَه وصَدَقةٌ تجري يبلغُهُ أجرُها وعِلمٌ يُعمَلُ بِه من بعدِهِ”.
الراوي : أبو قتادة | المحدث : الألباني | المصدر : صحيح ابن ماجه

” إنَّ أطيبَ ما أكلَ الرجلُ من كسبِه، وَإِنَّ وَلَدَهُ مِنْ كَسْبِهِ”.

الراوي : عائشة أم المؤمنين | المحدث : الألباني | المصدر : إرواء الغليل

” إنَّ مِمَّا يلحقُ المؤمنُ من عملِهِ وحسَناتِهِ بعدَ مَوتِهِ علمًا عَلَّمَهُ ونشرَهُ، أو ولدًا صالحًا ترَكَهُ، أو مسجدًا بَناهُ، أو بيتًا لابنِ السَّبيلِ بَناهُ، أو نَهَرًا كراهُ، أو صدقةً أخرجَها مِن مالِهِ في صحَّتِهِ وحياتِهِ، تلحقُهُ من بَعدِ مَوتِهِ”.
الراوي : أبو هريرة | المحدث : ابن خزيمة | المصدر : صحيح ابن خزيمة

” مَن سَنَّ في الإسْلَامِ سُنَّةً حَسَنَةً، فَعُمِلَ بهَا بَعْدَهُ، كُتِبَ له مِثْلُ أَجْرِ مَن عَمِلَ بهَا، وَلَا يَنْقُصُ مِن أُجُورِهِمْ شيءٌ، وَمَن سَنَّ في الإسْلَامِ سُنَّةً سَيِّئَةً، فَعُمِلَ بهَا بَعْدَهُ، كُتِبَ عليه مِثْلُ وِزْرِ مَن عَمِلَ بهَا، وَلَا يَنْقُصُ مِن أَوْزَارِهِمْ شيءٌ”.
الراوي : جرير بن عبدالله | المحدث : مسلم | المصدر : صحيح مسلم

وعلى ذلك فقد أجمل العلماء من هذه الأحاديث:

1- الصدقة الجاريه:

والصدقات الجارية مثل المساهمة في بناء مسجد، أو دار لابن السبيل، أو شق نهر، أو حفر بئراً، أو وقف يذهب ريعه للمحتاجين من اليتامى والفقراء، وغير ذلك من صور الصدقات.

2- علم يُنتفع به:

والعلم النافع ككتاب كتبه أو علم نافع علمه للناس، أو مكتبة تركها ليتعلم منها الناس علماً نافعاً،  أو مصحفاً ورثه وغير ذلك.

3- ولد صالح يدعو له:

وهم الإبن أو الإبنة ممن أحسن تربيتهم ليكونوا مسلمين صالحين، وكذلك أحفادهم وكل من كان من نسله فإن دعائهم له مما ينفعه. وكل عمل صالح يقوم به الأبناء حتى بدون نية وهب أجر العمل وثوابه للأبوين أو أحدهما فإن للأبوين أجرا مثل أجر الولد ، وذلك دون أن ينقص من أجورهم شئ ، لان الولد من سعيهما وكسبهما ، وهذا يبين أهمية بذل الجهد وإخلاص النية في تربية الأبناء.

ثانياً:قضاء الدين عنه

وهذا مما لاشك مما ينفع الميت سواء قام به وليه او أحد اهله أو أى مسلم، والسنة المسارعة بقضاء دينه أو التعهد بالوفاء به قبل أن يصلى عليه أو يُدفن خاصة إن ترك مالاً يُورث، فإن لم يسارع ورثته بقضاء دينه أو التعهد بقضاءه دون مماطلة لحقهم إثم كبير في ذلك، وإن لم يكن له مال سارع بذلك أهل الخير من ذويه أو من المسلمين. ويلحق بذلك قضاء ما عليه من نذور مالية، كمن نذر أن يتصدق بكذا، أو يوقف أرض أو عقار، أو ماشابه. وكذلك زكاة المال لأن دينُ الله أحق أن يُقضى.

والاحاديث فى هذا كثيرة منها:

” أنَّ النبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أُتِيَ بجَنَازَةٍ لِيُصَلِّيَ عَلَيْهَا، فَقالَ: هلْ عليه مِن دَيْنٍ؟، قالوا: لَا، فَصَلَّى عليه، ثُمَّ أُتِيَ بجَنَازَةٍ أُخْرَى، فَقالَ: هلْ عليه مِن دَيْنٍ؟، قالوا: نَعَمْ، قالَ: صَلُّوا علَى صَاحِبِكُمْ، قالَ: أَبُو قَتَادَةَ عَلَيَّ دَيْنُهُ يا رَسولَ اللَّهِ، فَصَلَّى عليه”.
الراوي : سلمة بن الأكوع | المحدث : البخاري | المصدر : صحيح البخاري

” أنَّ أَخاه مات وترك ثلاثَمائةِ درهمٍ ، وترك عيالًا ، قال : فأردتُ أن أُنفِقَها علَى عيالِه ، قال : فقالَ لي النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيهِ وسلَّمَ : إن أخاك مُحبَسٌ بدَينِه فاذهَب فاقضِ عنهُ ، فذهبتُ فقضَيتُ عنه ، ثمَّ جئتُ قلتُ : يا رسولَ اللهِ ، قد قضيتُ عنه إلَّا دينارينِ ادَّعتهُما امرأةٌ ، وليسَت لها بَيِّنةٌ ، قال : أعطِها فإنَّها مُحِقَّةٌ ، وفي روايةٍ : صادقةٌ” .
الراوي : سعد بن الأطول | المحدث : الألباني | المصدر : أحكام الجنائز

” نفس المؤمن مُعَلّقة بدَيْنِه حتى يُقْضى عنه”.
الراوي : أبو هريرة | المحدث : الترمذي | المصدر : سنن الترمذي 

ثالثاً: الصدقة عليه من أهله أو أحبائه

لا خلاف أن قيام اقارب الميت أو من يهمهم أمره بالتصدق عنه بعد وفاته فإن هذه الصدقات يصل ثوابها للميت بإذن الله، ودليل ذلك من السنة الصحيحة:

” أنَّ سَعْدَ بنَ عُبَادَةَ رَضِيَ اللَّهُ عنْه تُوُفِّيَتْ أُمُّهُ وَهو غَائِبٌ عَنْهَا، فَقالَ: يا رَسولَ اللَّهِ، إنَّ أُمِّي تُوُفِّيَتْ وَأَنَا غَائِبٌ عَنْهَا، أَيَنْفَعُهَا شَيءٌ إنْ تَصَدَّقْتُ به عَنْهَا؟ قالَ: نَعَمْ، قالَ: فإنِّي أُشْهِدُكَ أنَّ حَائِطِيَ المِخْرَافَ صَدَقَةٌ عَلَيْهَا”.
الراوي : عبدالله بن عباس | المحدث : البخاري | المصدر : صحيح البخاري
حائط المخراف: هو بستان مثمر من النخل له سور كان يملكه سعد بن عبادة

” أنَّ رَجُلًا قالَ للنبيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ: إنَّ أَبِي مَاتَ وَتَرَكَ مَالًا، وَلَمْ يُوصِ، فَهلْ يُكَفِّرُ عنْه أَنْ أَتَصَدَّقَ عنْه؟ قالَ: نَعَمْ”.
الراوي : أبو هريرة | المحدث : مسلم | المصدر : صحيح مسلم

” أنَّ رَجُلًا قالَ للنبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: إنَّ أُمِّي افْتُلِتَتْ نَفْسُهَا، وأَظُنُّهَا لو تَكَلَّمَتْ تَصَدَّقَتْ، فَهلْ لَهَا أجْرٌ إنْ تَصَدَّقْتُ عَنْهَا؟ قالَ: نَعَمْ”.
الراوي : عائشة أم المؤمنين | المحدث : البخاري | المصدر : صحيح البخاري

رابعاً: الدعاء له

وهذا اكثر ما ينفع الميت سواء قام به ولده او أهله او أى مسلم وذلك اذا توفر فيه الإخلاص وحالفه القبول ، وأدلة ذلك:

قول الله تبارك وتعالى :

{ والذين جاؤوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولاخواننا الذين سبقونا بالايمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنو ربنا إنك رؤوف رحيم } [ سورة الحشر 10 ] .

ومن السنة الصحيحة:

” دَعْوَةُ المَرْءِ المُسْلِمِ لأَخِيهِ بظَهْرِ الغَيْبِ مُسْتَجَابَةٌ، عِنْدَ رَأْسِهِ مَلَكٌ مُوَكَّلٌ كُلَّما دَعَا لأَخِيهِ بخَيْرٍ، قالَ المَلَكُ المُوَكَّلُ بهِ: آمِينَ وَلَكَ بمِثْلٍ”.
الراوي : صفوان بن عبدالله بن صفوان | المحدث : مسلم | المصدر : صحيح مسلم

” إن جبريل أتى النبي صلى الله عليه وسلم، فَقالَ: إنَّ رَبَّكَ يَأْمُرُكَ أَنْ تَأْتِيَ أَهْلَ البَقِيعِ فَتَسْتَغْفِرَ لهمْ، قالَتْ: قُلتُ: كيفَ أَقُولُ لهمْ يا رَسولَ اللهِ؟ قالَ: قُولِي: السَّلَامُ علَى أَهْلِ الدِّيَارِ مِنَ المُؤْمِنِينَ وَالْمُسْلِمِينَ، وَيَرْحَمُ اللَّهُ المُسْتَقْدِمِينَ مِنَّا وَالْمُسْتَأْخِرِينَ، وإنَّا -إنْ شَاءَ اللَّهُ- بكُمْ لَلَاحِقُونَ”.
الراوي : عائشة أم المؤمنين | المحدث : مسلم | المصدر : صحيح مسلم

” ما مِن رَجُلٍ مُسْلِمٍ يَمُوتُ، فَيَقُومُ علَى جَنَازَتِهِ أَرْبَعُونَ رَجُلًا، لا يُشْرِكُونَ باللَّهِ شيئًا؛ إلَّا شَفَّعَهُمُ اللَّهُ فِيهِ”.
الراوي : عبدالله بن عباس | المحدث : مسلم | المصدر : صحيح مسلم

” إذا صلَّيتُم على الميِّتِ فأخلِصوا لَه الدُّعاءَ”.
الراوي : أبو هريرة | المحدث : الألباني | المصدر : صحيح أبي داود

تشريع الله عز وجل لصلاة الجنازة وما هى فى الحقيقة إلا دعاء واستغفار للميت.

خامساً: الحج والعمرة عنه

ذهب الجُمهور إلى جواز الحجّ أو العُمرةِ عن الميت، واستدلّوا بعدة أدلّة منها قول النبيّ -عليه الصلاةُ والسلام-:

” جَاءَتِ امْرَأَةٌ مِن خَثْعَمَ عَامَ حَجَّةِ الوَدَاعِ، قالَتْ: يا رَسولَ اللَّهِ إنَّ فَرِيضَةَ اللَّهِ علَى عِبَادِهِ في الحَجِّ أدْرَكَتْ أبِي شيخًا كَبِيرًا لا يَسْتَطِيعُ أنْ يَسْتَوِيَ علَى الرَّاحِلَةِ فَهلْ يَقْضِي عنْه أنْ أحُجَّ عنْه؟ قالَ: نَعَمْ”.
الراوي : عبدالله بن عباس | المحدث : البخاري | المصدر : صحيح البخاري

” أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم سمعَ رجلاً يقولُ: لبَّيْكَ عن شبرمة. قالَ: من شبرمةَ؟ قالَ: أخٌ لي أو قريبٌ لي. قالَ: حججتَ عن نفسِكَ؟ قالَ: لا. قالَ: حجَّ عن نفسِكَ ثمَّ حجَّ عن شبرمةَ”.
الراوي : عبدالله بن عباس | المحدث : الألباني | المصدر : صحيح أبي داود

فائدة:
  • إذا وجب الحج على شخص، وكان عاجزًا عن الحج بنفسه، لسبب يرجو زواله كعجزه بسبب مرض يرجو الشفاء منه، أو حبس، أو غيره فإنه يؤخر الحج حتى يستطيع، فإن مات قبل ذلك حج عنه وليه أو غيره من تركته، وقد جاء في الحديث الصحيح:

” أنَّ امْرَأَةً مِن جُهَيْنَةَ جاءَتْ إلى النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فقالَتْ: إنَّ أُمِّي نَذَرَتْ أنْ تَحُجَّ، فَلَمْ تَحُجَّ حتَّى ماتَتْ؛ أفَأَحُجُّ عَنْها؟ قالَ: نَعَمْ حُجِّي عَنْها؛ أرَأَيْتِ لو كانَ علَى أُمِّكِ دَيْنٌ أكُنْتِ قاضِيَةً؟ اقْضُوا اللَّهَ؛ فاللَّهُ أحَقُّ بالوَفاءِ”.
الراوي : عبدالله بن عباس | المحدث : البخاري | المصدر : صحيح البخاري

  • من كان مُستطيعاً في حياته أن يحج ولم يحج تهاوناً حتى مات، فقد قال كثير من أهل العلم إن حج عنه وليه أو غيره من تركة المتوفي أجزأه ذلك، وأن ثواب ذلك يصل للميت وقد قال بهذا الشيخ ابن باز رحمة الله عليه.
  • يشترط فيمن يؤدي الحج عن غيره أن يكون قد حج عن نفسه هو فيما قبل؛ لحديث شبرمة السابق ذِكره.

سادساً: قضاء الصوم عنه

نجمل ما اتفق عليه أهل العلم من أحوال قضاء الصوم عن الميت وفقاً لما صح من الأحاديث فيما يلي:

  1. من مات وكان عليه صيام كالنذر، أو كفارة، أو أيام من رمضان قد تمكن من قضائها ولم يقضها حتى مات، فإن لوليه أن يصوم عنه ويُجزء ذلك عن الميت ويُسقط ما عليه.
  2. من مات وعليه أيام من رمضان لم يتمكن من قضائها لاستمرار المرض حتى الوفاة، فإن وليه يُطعم عن كل يوم مسكين فهذا قضاؤه ولا يصوم تلك الأيام.
  3. أما صيام تطوع أو نوافل فلا ينفع الميت ذلك لأن الصيام عبادة ذاتية وبالموت ينقطع باب العبادات عن الإنسان، والله تعالى أعلم

والأحاذيث الصحيحة الواردة في هذا الباب:

” مَن مَاتَ وعليه صِيَامٌ صَامَ عنْه ولِيُّهُ”.
الراوي : عائشة أم المؤمنين | المحدث : البخاري | المصدر : صحيح البخاري

” أنَّ امرأةً رَكبتِ البحرَ فنذَرت إن نجَّاها اللَّهُ أن تصومَ شَهرًا فنجَّاها اللَّهُ فلم تصُم حتَّى ماتت فجاءت ابنتُها أو أختُها إلى رسولِ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليْهِ وسلَّمَ فأمرَها أن تصومَ عنْها”.
الراوي : عبدالله بن عباس | المحدث : الألباني | المصدر : صحيح أبي داود

” جَاءَتِ امْرَأَةٌ إلى رَسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، فَقالَتْ: يا رَسولَ اللهِ، إنَّ أُمِّي مَاتَتْ وَعَلَيْهَا صَوْمُ نَذْرٍ، أَفَأَصُومُ عَنْهَا؟ قالَ: أَرَأَيْتِ لو كانَ علَى أُمِّكِ دَيْنٌ فَقَضَيْتِيهِ، أَكانَ يُؤَدِّي ذَلِكِ عَنْهَا؟ قالَتْ: نَعَمْ، قالَ: فَصُومِي عن أُمِّكِ”.
الراوي : عبدالله بن عباس | المحدث : مسلم | المصدر : صحيح مسلم